الحياة في ظلال الإيمان
إن الحياة في ظلال الإيمان تختلف طعما و ذوقا ، و جمالا و طهرا، و قناعة و صبرا ، و رضى و احتسابا و شكرا ، أخذا و عطاء ، ضعفا و قوة غننا و فقرا عن حياة خالية من الإيمان . فإيمان المسلم له طعم خاص ، إيمان يصبغ الحياة بالإيجابية ، فيعمرها بالتفاؤل رغم الألم ،رغم كل ما تفعله الحياة ، فحياة المؤمن تسوغها القناعة مع الفقر، و يسوغها الرضى مع الهزات و ابتلاءات . هي هكذا شحنة الإيمان تفعل فعلتها إذا ما خالج الصدق روح المؤمن ، تجعله قلب يفيض انشراحا ، هي حالة روحية مميزة يعيشها صاحب الإيمان ، تنقلب فيها الحياة سعادة لا نظير لها ، تصبح الحياة كلها بسمة مطلقة .
حين نعود للهدى نستلهم المعاني الحقيقية لطعم الإيمان، فالمصائب بعيون المؤمن غيرها في حياة غير المؤمن . فالإيمان له مسكنات تخفف الألم . فالمصائب عند المؤمن تحط الخطايا و تجبر الضعف و التقصير . يصف النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمن حين تلاقيه المصائب ،عليه أن يستقبلها بنفس راضية محتسبة ،يستقبلها بنفس ترى الخير في المكتوب - يا سبحان الله - يا لها من وصفة سحرية تفتت الهموم ، و تزيل الغموم
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب- مرض- ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))
و تلك الحالة الإيمانية تجعل المؤمن يطيب نفسا بالإيمان حين المسرات و عند استقبال النعم ، فما أكثر النعم التي سيقت لنا دون عناء وهبت لنا دون طلب ، قدمت منحا من الله تعالى ، فحق للمؤمن ألا يرى فضلا لسواه ، هو وحده صاحب الفضل و العطاء ، فالنعم المعطية منه سبحانه و تعالى ، خلق الخلق ، أعطى السمع ، منح البصر ، أخرج الزرع ، أسال الضرع ، أنزل القطر ، وهب الجمال في الخلق و النفس و الكون ، وهب الزوج و الولد ، أزاح الهم ، اذهب الغم ، يسر سبل النجاح ، نعم كثيرة لا نحصيها ، منحنا تلك النعم حتى لا يطمع الإنسان في أحد سوى صاحب الفضل ، صاحب الفضائل الكاملة ، ما وهب الله كل هذه النعم إلا لتستقر نفس العبد حقيقة واحدة ، أن في هذا الكون الفسيح الرحب ، إله واحد أحد ، فرد صمد ، إله تقر له كل الموجودات بالطاعة والولاء ، إله نوجب له العبادة طوعا في غير إكراه ، لأن حقيقة الإيمان تقرها الفطرة السليمة ، تقرها الفطرة السليمة التي تتناغم مع هدي و لا تخالفه مصداقا للآية الكريمة في قوله تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
إن الحياة في ظلال الإيمان لها شروط محددة حتى يكون للإيمان أثر في نفس المسلم . فلا إيمان بلا تصديق ، و لا تصديق بلا عمل ، فالمؤمن يصدق بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه . و أن من شروط ه تصديق الوعد بنصر الله للمؤمنين . و أن من شروط الإيمان أيضا الثبات على الحق الذي عرفناه . وفي الحديث عنه: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ . من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما . وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا للهِ . وأنْ يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ بعد أنْ أنقذَه اللهُ منه ، كما يكرهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ» (صحيح مسلم: [43]).
وان من شروط الإيمان التمسك بالأخلاق الفاضلة، فالخلق ثمرة الإيمان فلا إيمان بلا خلق
عن عائشة رضي الله عنها قالت :( ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك ، فلذلك أنزل الله عز وجل : ( وإنك لعلى خلق عظيم )
ومن شروط الإيمان العمل الصالح ، الذي يحقق الربح في الدنيا و الآخرة ، فالإيمان يقوم على العمل ، فما يصمد في استكمال المشوار سوى صاحب النفس الطويل ، المتحمل للجهد و الأعباء الشاقة ، و مع تلك المجاهدة ترافق تلك الروح عناية الله التي تدلل الصعاب و تفك العقبات .
الأستاذ حشاني زغيدي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire